موقع القصة في القرآن الكريم:
ورد ذكر القصة في سورة الكهف الآيات 9-26.
القصة:
في زمان ومكان غير معروفين، كانت توجد قرية مشركة ضل ملكها وأهلها عن الطريق المستقيم، وعبدوا مع الله مالا يضرهم ولا ينفعهم من غير أي دليل على ألوهيتهم، ومع ذلك كانوا يدافعون عن هذه الآلهة المزعومة، ولا يرضون أن يمسها أحد بسوء ويؤذون كل من يكفر بها، ولا يعبدها.
وبرغم الظروف الفاسدة ظهرت في هذا المجتمع مجموعة قليلة من الشباب حكّمت عقلها، ورفضت السجود لغير الله الذي بيده كل شيء.
لم يكن هؤلاء الفتية أنبياء ولا رسلا، ولم يتوجب عليهم تحمل ما يتحمله الرسل، إنما كانوا أصحاب إيمان، فأنكروا على قومهم شركهم بالله، وطلبوا إقامة الحجة على وجود آلهة غير الله.
ولما فشلوا في المواجهة مع قومهم قرروا النجاة بدينهم وبأنفسهم بالهجرة من القرية لمكان آمن يعبدون الله فيه، بعد أن ثبت لديهم أن القرية فاسدة، وأهلها ضالون.
عزم الفتية على الخروج من القرية، والتوجه لكهف مهجور ليكون ملاذا لهم بشكل مؤقت حتى تتيسر لهم سبل الهجرة لمكان آخر، فخرجوا ومعهم كلبهم تاركين وراءهم منازلهم ليسكنوا كهفا موحشا طمعا في رحمة الله.
استلقى الفتية في الكهف، وجلس كلبهم على الباب يحرسه، وهنا حدثت المعجزة الألهية، فنام الفتية ثلاثمئة وتسع سنوات.
وخلال هذه المدة، كانت الشمس تشرق عن يمين كهفهم وتغرب عن شماله، فلا تصيبهم أشعتها في أول ولا آخر النهار وكانوا يتقلبون أثناء نومهم، حتى لا تهترئ أجسادهم. فكان الناظر إليهم يحس بالرعب لأنهم نائمون ولكنهم كالمستيقظين من كثرة تقلّبهم.
وبعد كل هذه السنين، بعثهم الله مرة أخرى أستيقظ الفتية من سباتهم الطويل، لكنهم لم يدركوا كم مضى عليهم من الوقت في نومهم. وكانت آثار النوم الطويل بادية عليهم. فتساءلوا: كم لبثنا؟!، فأجاب بعضهم: لبثنا يوما أو بعض يوم. لكنهم تجاوزوا بسرعة مرحلة الدهشة، فمدة النوم غير مهمة. المهم أنهم استيقظوا وعليهم أن يتدبروا أمورهم.
أخرج الفتية النقود التي كانت معهم، ثم طلبوا من أحدهم أن يذهب خلسة للمدينة، ويشتري طعاما طيبا، ثم يعود إليهم برفق حتى لا يشعر به أحد فيعاقبهم جنود الملك أو الظلمة من أهل القرية إن علموا بأمرهم.
وهكذا خرج المختار من الفتية متوجها للقرية، إلا أنها لم تكن كعهده بها. لقد تغيرت الأماكن والوجوه، وتغيّرت البضائع والنقود.
تعجب الفتى واستغرب كيف يحدث كل هذا في يوم وليلة، فيما أيقن أهل القرية أنه غريب، من ثيابه التي يلبسها ونقوده التي يحملها.
تغيرت طباع أهل المدينة وآمن أهلها، فهلك الملك الظالم، وجاء مكانه رجل صالح وفرح الناس بهؤلاء الفتية المؤمنين. لقد كانوا أول من يؤمن من هذه القرية. فهاجروا من قريتهم لكيلا يفتنوا في دينهم ثم عادوا فأجتمع أهل القرية وقرروا أن يذهبوا لرؤيتهم.
وبعد أن ثبتت المعجزة، معجزة إحياء الأموات وبعدما استيقنت قلوب أهل القرية قدرة الله سبحانه وتعالى على بعث الموتى، برؤية مثال واقعي ملموس أمامهم.
أخذ الله أرواح الفتية، فاختلف أهل القرية فيما يفعل بهم، فمنهم من دعى لإقامة بنيان على كهفهم، ومنهم من طالب ببناء مسجد وهو الرأي الذي تم تنفيذه بعد إجماع الآراء عليه.
الملاحظ في هذه القصة أن زمنها غير معلوم فهل حدثت قبل زمن عيسى عليه السلام، أم بعده، وهل آمنوا بربهم من تلقاء أنفسهم، أم أن أحد دعاهم للإيمان، وفي أي البلاد كانوا؟.
هل كانوا ثلاثة رابعهم كلبهم، أم خمسة سادسهم كلبهم، أم سبعة وثامنهم كلبهم؟، كلها مجهولة إلا أن الله عز وجل ينهانا عن الجدال ويأمرنا بإرجاع علمهم إلى الله، فالعبرة ليست في العدد، وإنما فيما آل إليه الأمر، فلا يهم إن كانوا أربعة أو ثمانية، إنما المهم أن الله أحياهم بعد أكثر من ثلاثمئة سنة ليرى من عاصرهم قدرة الله على بعث من في القبور، ولتتناقل الأجيال خبر هذه المعجزة جيلا بعد جيل.